الأربعاء، 13 فبراير 2013
الأسير سامر العيساوي ومعركة الأمعاء الخاوية
لأكثر من مائتي يوم، يواصل الأسير الفلسطيني سامر العيساوي معركة الأمعاء الخاوية ضد سجانيه الإسرائيليين، محطماً أكبر رقم قياسي في الإضراب عن الطعام في التاريخ، لانتزاع حقه في التنقل بحرية، والعيش على أرض وطنه في الضفة الفلسطينية.
كتب- عامر راشد
إلا أن معلومات الأيام الأخيرة تؤكد أنه يصارع الموت وبات في حالة احتضار، ومعه ثلاثة أسرى من المضربين عن الطعام في وضع صحي خطير هم أيمن الشراونة وطارق قعدان وجعفر عز الدين.
هذه المعلومات أكدتها شقيقته المحامية شيرين، حسب إفادات وصلتها من الصليب الأحمر الدولي، وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية، أعادت اعتقال العيساوي بتهمة خرق بنود الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس، التي أفرج فيها عنه إلى جانب مئات الأسرى والمعتقلين، ومنع عليه بمقتضاها التنقل بين القدس الشرقية، حيث يقيم، وباقي مدن الضفة، وبقيت سلطات الاحتلال تماطل دون سبب في إجراءات محاكمته، ورفض الدعوات المتكررة للإفراج عنه، رغم تدهور حالته الصحية، ومن بينها مناشدات مؤسسات إنسانية وحقوقية دولية دانت اعتقال العيساوي وظروف اعتقاله في السجن.
إن مأساة العيساوي ورفاقه المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية ليست مأساة أشخاص، بل مأساة وطن وشعب، وصفحة من صفحات تعسف الاحتلال الإسرائيلي في التنكر للمواثيق والإعلانات والقوانين الدولية الناظمة للتعامل الإنساني مع الأسرى ومعتقلي الحرية، ولمسؤوليات سلطات الاحتلال في المناطق الواقعة تحت احتلالها.
صفحة سوداء في تاريخ الإنسانية المعاصر، تستوجب أوسع الأشكال الإدانات وأشدها، وهذا ما يأمل به الفلسطينيون من المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، التي لطالما انشغلت في الماضي بالضغط على الفلسطينيين للإفراج عن أسرى من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وآخرهم جلعاد شاليط، الذي كان الشغل الشاغل للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وحظي بالعديد من التصريحات على لسان الرئيس أوباما وزعماء أوروبيين، المؤسف فيها معايير مزدوجة وتصرف غير مسؤول في التعاطي مع القضايا الإنسانية على جانبي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وتفتح مأساة العيساوي ورفاقه الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، السجل الحافل لعوامل عدم ثقة الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالمواقف الأميركية والأوروبية بشأن حقوق الإنسان، مما يبعث مشاعر الكراهية والعداء للسياسات الغربية التي تغطي ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. وهذا طبيعي ومنطقي ومشروع في الرد على سياسة الغرب القائمة على الكيل بمكيالين، والاستهتار بقضايا ومشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ولا عذر للغربيين في طرح سؤال استنكاري لماذا يكرهوننا؟!
فالرياء الأميركي الغربي في الدفاع عن حقوق الإنسان كوى وعي الثقافة الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية إزاء تجليات الثقافة والفكر الغربي في التعامل مع الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وما تراكم في الذاكرة الجمعية من لا أخلاقية مواقف الإدارات الأميركية وغالبية الحكومات الأوروبية الغربية، وتحالفها مع الحكومات القمعية العربية، وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية في العراق، والجرائم ضد الإنسانية في سجن أبو غريب، والجرائم النظيرة لها في أفغانستان.
والتضامن مع الأسير العيساوي، ورفاقه المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، ليس دعوة للكراهية، بل دعوة لتصويب دفة المواقف الأميركية والأوروبية من القضية الفلسطينية، والتعاطي مع المعاناة غير الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما الأسرى والمعتقلين. وما تُطالَب به الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تُطالَب به أيضاً كل حكومات وشعوب العالم المحبة للسلام، بما في ذلك قوى السلام في المجتمع الإسرائيلي، من مواقف أخلاقية وإنسانية يكاد لا يسمع لها صدى في السنوات الأخيرة.
وبغض النظر عن الجانب الأخلاقي والإنساني، فإن إنقاذ حياة الأسير العيساوي ورفاقه الأسرى المضربين عن الطعام يجنب الفلسطينيين والإسرائيليين جولة جديدة من العنف، حيث أعلن أكثر من جناح عسكري فلسطيني، بالإضافة إلى الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية التي ينتمي إليها العيساوي، أنه سيرد بقوة في حال وفاة العيساوي أو أي من رفاقه الأسرى في المعتقل، وسيعتبر ذلك "وفاة لاتفاق التهدئة" الذي تم التفاهم عليه بين حركة (حماس) والحكومة الإسرائيلية بوساطة مصرية. فضلاً عن حالة غليان في الشارع الفلسطيني تنذر بانفجار انتفاضة ثالثة.
لقد رفض الأسير سامر العيساوي مبدأ الإبعاد عن وطنه، وقاومه بأمعائه الخالية، في أكثر الوسائل سلمية ووجعاً إنسانياً، كي يسمع العالم صوت معاناته ومعاناة رفاقه الأسرى وأبناء شعبه الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، في صرخة من أجل الحرية يصم العالم آذانه عن حجم مأساتها المروعة.
ولا يسعنا سوى أن نقول: كل التضامن مع العيساوي ورفاقه المضربين عن الطعام، ومن واجب الشرفاء في العالم كله عدم تركهم يحتضرون في غياهب المعتقل الإسرائيلي، لأن التضامن معهم تضامن مع إنسانية الإنسان، وللمثل والقيم البشرية، ومدعاة لتجنب جولة جديدة من جولات عنف دموية دفعت شعوب المنطقة ثمنها باهظاً، وستظل تدفع، إذا لم يوضع حد للاحتلال الإسرائيلي بتوقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن سياسة الكيل بمكيالين في الموقف من الصراع في الشرق الأوسط، وتغاضيها عن تنكر سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمواثيق والمعاهدات والقوانين والأعراف الدولية.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)
إلا أن معلومات الأيام الأخيرة تؤكد أنه يصارع الموت وبات في حالة احتضار، ومعه ثلاثة أسرى من المضربين عن الطعام في وضع صحي خطير هم أيمن الشراونة وطارق قعدان وجعفر عز الدين.
هذه المعلومات أكدتها شقيقته المحامية شيرين، حسب إفادات وصلتها من الصليب الأحمر الدولي، وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية، أعادت اعتقال العيساوي بتهمة خرق بنود الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى بين الحكومة الإسرائيلية وحركة حماس، التي أفرج فيها عنه إلى جانب مئات الأسرى والمعتقلين، ومنع عليه بمقتضاها التنقل بين القدس الشرقية، حيث يقيم، وباقي مدن الضفة، وبقيت سلطات الاحتلال تماطل دون سبب في إجراءات محاكمته، ورفض الدعوات المتكررة للإفراج عنه، رغم تدهور حالته الصحية، ومن بينها مناشدات مؤسسات إنسانية وحقوقية دولية دانت اعتقال العيساوي وظروف اعتقاله في السجن.
إن مأساة العيساوي ورفاقه المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية ليست مأساة أشخاص، بل مأساة وطن وشعب، وصفحة من صفحات تعسف الاحتلال الإسرائيلي في التنكر للمواثيق والإعلانات والقوانين الدولية الناظمة للتعامل الإنساني مع الأسرى ومعتقلي الحرية، ولمسؤوليات سلطات الاحتلال في المناطق الواقعة تحت احتلالها.
صفحة سوداء في تاريخ الإنسانية المعاصر، تستوجب أوسع الأشكال الإدانات وأشدها، وهذا ما يأمل به الفلسطينيون من المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، التي لطالما انشغلت في الماضي بالضغط على الفلسطينيين للإفراج عن أسرى من جنود الاحتلال الإسرائيلي، وآخرهم جلعاد شاليط، الذي كان الشغل الشاغل للرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، وحظي بالعديد من التصريحات على لسان الرئيس أوباما وزعماء أوروبيين، المؤسف فيها معايير مزدوجة وتصرف غير مسؤول في التعاطي مع القضايا الإنسانية على جانبي الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وتفتح مأساة العيساوي ورفاقه الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، السجل الحافل لعوامل عدم ثقة الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالمواقف الأميركية والأوروبية بشأن حقوق الإنسان، مما يبعث مشاعر الكراهية والعداء للسياسات الغربية التي تغطي ممارسات الاحتلال الإسرائيلي. وهذا طبيعي ومنطقي ومشروع في الرد على سياسة الغرب القائمة على الكيل بمكيالين، والاستهتار بقضايا ومشاعر الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ولا عذر للغربيين في طرح سؤال استنكاري لماذا يكرهوننا؟!
فالرياء الأميركي الغربي في الدفاع عن حقوق الإنسان كوى وعي الثقافة الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية إزاء تجليات الثقافة والفكر الغربي في التعامل مع الصراع العربي والفلسطيني- الإسرائيلي، وما تراكم في الذاكرة الجمعية من لا أخلاقية مواقف الإدارات الأميركية وغالبية الحكومات الأوروبية الغربية، وتحالفها مع الحكومات القمعية العربية، وجرائم الحرب التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأميركية والبريطانية في العراق، والجرائم ضد الإنسانية في سجن أبو غريب، والجرائم النظيرة لها في أفغانستان.
والتضامن مع الأسير العيساوي، ورفاقه المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، ليس دعوة للكراهية، بل دعوة لتصويب دفة المواقف الأميركية والأوروبية من القضية الفلسطينية، والتعاطي مع المعاناة غير الإنسانية لأبناء الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، لاسيما الأسرى والمعتقلين. وما تُطالَب به الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي تُطالَب به أيضاً كل حكومات وشعوب العالم المحبة للسلام، بما في ذلك قوى السلام في المجتمع الإسرائيلي، من مواقف أخلاقية وإنسانية يكاد لا يسمع لها صدى في السنوات الأخيرة.
وبغض النظر عن الجانب الأخلاقي والإنساني، فإن إنقاذ حياة الأسير العيساوي ورفاقه الأسرى المضربين عن الطعام يجنب الفلسطينيين والإسرائيليين جولة جديدة من العنف، حيث أعلن أكثر من جناح عسكري فلسطيني، بالإضافة إلى الجناح العسكري للجبهة الديمقراطية التي ينتمي إليها العيساوي، أنه سيرد بقوة في حال وفاة العيساوي أو أي من رفاقه الأسرى في المعتقل، وسيعتبر ذلك "وفاة لاتفاق التهدئة" الذي تم التفاهم عليه بين حركة (حماس) والحكومة الإسرائيلية بوساطة مصرية. فضلاً عن حالة غليان في الشارع الفلسطيني تنذر بانفجار انتفاضة ثالثة.
لقد رفض الأسير سامر العيساوي مبدأ الإبعاد عن وطنه، وقاومه بأمعائه الخالية، في أكثر الوسائل سلمية ووجعاً إنسانياً، كي يسمع العالم صوت معاناته ومعاناة رفاقه الأسرى وأبناء شعبه الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، في صرخة من أجل الحرية يصم العالم آذانه عن حجم مأساتها المروعة.
ولا يسعنا سوى أن نقول: كل التضامن مع العيساوي ورفاقه المضربين عن الطعام، ومن واجب الشرفاء في العالم كله عدم تركهم يحتضرون في غياهب المعتقل الإسرائيلي، لأن التضامن معهم تضامن مع إنسانية الإنسان، وللمثل والقيم البشرية، ومدعاة لتجنب جولة جديدة من جولات عنف دموية دفعت شعوب المنطقة ثمنها باهظاً، وستظل تدفع، إذا لم يوضع حد للاحتلال الإسرائيلي بتوقف الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عن سياسة الكيل بمكيالين في الموقف من الصراع في الشرق الأوسط، وتغاضيها عن تنكر سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمواثيق والمعاهدات والقوانين والأعراف الدولية.
(المقال يعبر عن رأي كاتبه)
الثلاثاء، 12 فبراير 2013
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)